الأكاديمية العلمية ... الدرس الثاني

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

الإخوة الكرام طلبة الأكاديمية الأفاضل ..

نعتذر بداية عن عدم إضافة تسجيل صوتي لدرس هذا الأسبوع

وذلك بسبب سفر شيخنا الكريم ورغبتنا في إضافة الدرس في الموعد المتفق عليه مسبقاً

وسيكون الدرس القادم مسجلاً بإذن الله تعالى

كما نرجو من الإخوة تسجيل حضورهم كما في الدرس الأول

نترككم مع مادة الدرس الثاني:




إن لطلب العلم جملةً من الآداب ينبغي على من طلب العلم أن يتحلى بها فسنذكر في هذا الدرس شيئا من هذه الوصايا والآداب في طريق الطلب سائلين المولى عزوجل أن ينفع بها:



أولاً: الإخلاص


أحبتنا طلبة العلم الزموا الإخلاص في عملكم ، وليكن قصدكم وجه الله والدار الآخرة ، وإياكم والرياء ، وحب الظهور والاستعلاء على الأقران، فقد قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُجَارِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ يَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ " رواه النسائي (2654) وحسنه الألباني في صحيح النسائي .

وإنما ذكرنا الإخلاص في أول آداب طلب العلم ؛ لأن الإخلاص أساس، فعلى طالب العلم أن ينوي بطلب العلم امتثال أمر الله عز وجل لأن الله تعالى أمر بالعلم كما بينا ذلك في الدرس السابق، فإذا تعلمت فإنك ممتثل لأمره.




ثانياً: رفع الجهل عن النفس وعن الغير


على طالب العلم أن ينوي بطلب العلم رفع الجهل عن نفسه وعن غيره؛ لأن الأصل في الإنسان الجهل، ودليل ذلك قوله تعالى: ] وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون [ (النحل:78). والواقع يشهد بذلك، فتنوي بطلب العلم رفع الجهل عن نفسك وبذلك تنال خشية الله ]إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [ (فاطر، الآية:28 ) فإذا تعلمت وصرت من العلماء انتفى عنك الجهل، وكذلك تنوي رفع الجهل عن الأمة ويكون ذلك بالتعليم بشتى الوسائل لتنفع الناس بعلمك.


وقد قال الإمام أحمد – رحمه الله تعالى -: (( العلم لا يعدله شيء لمن صحت نيته )). قالوا : كيف ذلك ؟ (( ينوي رفع الجهل عن نفسه وعن غيره ))؛ لأن الأصل فيهم الجهل كما هو الأصل فيك كما ذكرنا أعلاه، فإذا تعلمت من أجل أن ترفع الجهل عن هذه الأمة كنت من المجاهدين في سبيل الله الذين ينشرون دين الله.




ثالثاً: الدفاع عن الشريعة


كما أن على طالب العلم أن ينوي بطلبه الدفاع عن الشريعة؛ لأن الكتب لا يمكن أن تدافع عن الشريعة، ولا يدافع عن الشريعة إلا حامل الشريعة، فلو أن رجلاً جاء إلى مكتبة حافلة بالكتب الشرعية فيها ما لا يحصى من الكتب، وقام يتكلم ببدعة ويقررها فلا أظن أن كتاباً واحداً يرد عليه، لكن إذا تكلم عند شخص من أهل العلم ببدعته ليقررها فإن طالب العلم يرد عليه ويدحض كلامه بالقرآن والسنة.




رابعاً: الصبر


قد بيّنا في الدرس الأول أن طلب العلم من معالي الأمور ، وكما هو معلوم فالعُلى لا تُنال إلا على جسر من التعب وقد قيل:

دببت للمجد والساعون قد بلغوا *** جُهد النفوس وألقـوا دونـه الأُزرا

وكابدوا المجد حتى ملَّ أكثرُهُم *** وعانق المجد من أوفى ومن صبرا

لا تحسبن المجد تمراً أنت آكله *** لن تبلغ المجد حتى تَلْعَقَ الصَـبِرَا


(الصَبِردواءٌ مُرٌّ)


فاصبر وصابر ، فلئن كان الجهاد ساعةً من صبر ، فصبر طالب العلم إلى نهاية العمر، وقد قال الله تعالى :

{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(200) } سورة آل عمران .



خامساً: العمل بالعلم والدعوة إلى الله




اعلم بأن العمل بالعلم هو ثمرة العلم ، فمن علم ولم يعمل فقد أشبه اليهود الذين مثلهم الله بأقبح مثلٍ في كتابه فقال : { مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(5) } سورة الجمعة، ومن عمل بلا علم فقد أشبه النصارى ، وهم الضالون المذكورون في سورة الفاتحة .



فينبغي على الطالب أن يعمل بعلمه عقيدة وعبادة وأخلاقاً وآداباً ومعاملة



فعقيدته يجب أن تكون مبنية على كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وعبادته تكون خالصة لله تابعة لهدي النبي عليه الصلاة والسلام، وأخلاقه ومعاملته نابعة عن ما تعلمه، فالعلم الشرعي يدعو إلى كل خلق فاضل كالصدق والوفاء ومحبة الخير للمؤمنين، وليتذكر أن حسن الخلق هو مما يقرب إلى الله عزوجل وأولى الناس برسولنا عليه الصلاة والسلام وأدناهم منه منزلة أحاسنهم أخلاقاً كما جاء في قوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه: (إن من أحبكم إلي ، و أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا.....) رواه الترمذي بسند حسن


وعليه أن يكون داعياً بعلمه إلى الله – عز وجل – يدعو في كل مناسبة في المساجد، وفي المجالس، وفي الأسواق وفي كل مناسبة، هذا النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن آتاه الله النبوة والرسالة ما جلس في بيته بل كان يدعو الناس ويتحرك، وقد قال تعالى { قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومناتبعني } يوسف 108 ، وقال { ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إننيمن المسلمين } فصلت 33



سادساً: دوام المراقبة


عليك بالتحلي بدوام المراقبة لله تعالى في السر والعلن ، سائراً إلى ربك بين الخوف والرجاء ، فإنهما للمسلم كالجناحين للطائر ، فأقبل على الله بكليّتك ، وليمتلئ قلبك بمحبته ، ولسانك بذكره ، والاستبشار والفرح والسرور بأحكامه وحِكَمِه سبحانه .

وأكثر من دعاء الله في كل سجود ، أن يفتح عليك ، وأن يرزقك علماً نافعاً ، فإنك إن صدقت مع الله ، وفقك وأعانك ، وبلغك مبلغ العلماء الربانيين .



سابعاً: اغتنام الأوقات


يا طالب العلم بادر شبابك وأوقات عمرك بالتحصيل ، ولا تغتر بخدع التسويف والتأميل فإن كل ساعة تمضي من عمرك لا بدل لها ولا عوض عنها قال أبو الدرداء رضي الله عنه: ( إنما أنت أيام كلَّما مضى منك يومٌ مضى بعضك)




ثامناً: التواضع وعدم الإستحياء من السؤال



قال تعالى { وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونًا } الفرقان63 ، أي بسكينة ووقار متواضعين ، فعلى طالب العلم أن يتواضع خاصة عند من يُعلّمونه العلم،قال الإمام مجاهد رحمه الله: "لايتعلم العلم مستح أو متكبر" فعلى الطالب بجانب التواضع أن يتحلى بالجرأة وعدم الاستحياء، لأنك إذا صرت تستحي من أن تسأل بقيت على جهلك.

فالمتكبر يحمله تكبره على أن يعجب بنفسه ويبقى على جهله، وكذلك المستحيي يحمله استحياؤه عن أن لا يطلب أو يستفيد ممن معه علم فيبقى على جهله.



تاسعاً: احترام العلماء وتقديرهم والنصح والدعاء لهم:


إن على طلبة العلم احترام العلماء الربانيين وتقديرهم، وأن تتسع صدورهم لما يحصل من اختلاف بين العلماء وغيرهم، وأن يقابلوا هذا بالتماس العذر لمن سلك سبيلاً خطأ في اعتقادهم وبحمله على حسن النية والاجتهاد وأن يدعوا لهم بالتوفيق والسداد، فالناس إذا زهدوا في العالم أو سقط من أعينهم تسقط كلمته أيضاً، وإذا كان يقول الحق ويهدي إليه فإن غيبة هذا الرجل لهذا العالم تكون حائلاً بين الناس وبين علمه الشرعي، وهذا خطره كبير وعظيم.



عاشرًا: التمسك بالكتاب والسنة



يجب على طلبة العلم الحرص التام على تلقي العلم والأخذ من أصوله التي لا فلاح لطالب العلم إن لم يبدأ بها، وهي:



1- القرآن الكريم : فإنه يجب على طالب العلم الحرص عليه قراءةً وحفظاً وفهماً وعملاً به، فإن القرآن هو حبل الله المتين ، وهو أساس العلوم


2- السنة الصحيحة: فهي ثاني المصدرين للشريعة الإسلامية، وهي الموضحة للقرآن الكريم
فيجب على طالب العلم الجمع بينهما والحرص عليهما،فهما له كالجناحين للطائر إذا انكسر أحدهما لم يطر

ونكتفي بهذا القدر في هذا الدرس وإلا فالآداب كثيرة





هذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم